الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
قال: وأين ذهب؟ قال: لا أدري أصلح الله الملك.فغضب سليمان وقال: {لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا} الآية.ثم دعا بالعُقَاب سيد الطير وأصرمها وأشدها بأسًا فقال: ما تريد يا نبيّ الله؟ فقال: عليّ بالهدهد الساعة.فرفع العقاب نفسه دون السماء حتى لزق بالهواء، فنظر إلى الدنيا كالقصعة بين يدي أحدكم، فإذا هو بالهدهد مقبلًا من نحو اليمن، فانقض نحوه وأنشب فيه مِخْلَبه.فقال له الهدهد: أسألك بالله الذي أقدرك وقوَّاك عليّ إلا رحمتني.فقال له: الويل لك؛ وثكلتك أمُّك! إن نبي الله سليمان حلف أن يعذبك أو يذبحك.ثم أتى به فاستقبلته النّسور وسائر عساكر الطير.وقالوا الويل لك؛ لقد توعدك نبيّ الله.فقال: وما قدري وما أنا أما استثنى؟ قالوا: بلى إنه قال: {أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} ثم دخل على سليمان فرفع رأسه، وأرخى ذنبه وجناحيه تواضعًا لسليمان عليه السلام.فقال له سليمان: أين كنت عن خدمتك ومكانك؟ لأعذبنك عذابًا شديدًا أو لأذبحنك.فقال له الهدهد: يا نبيّ الله! اذكر وقوفك بين يدي الله بمنزلة وقوفي بين يديك.فاقشعر جلد سليمان وارتعد وعفا عنه.وقال عكرمة: إنما صرف الله سليمان عن ذبح الهدهد أنه كان بارًّا بوالديه؛ ينقل الطعام إليهما فيزقهما.ثم قال له سليمان: ما الذي أبطأ بك؟ فقال الهدهد ما أخبر الله عن بلقيس وعرشها وقومها حسبما تقدّم بيانه.قال الماوردي: والقول بأن أمّ بلقيس جنية مستنكر من العقول لتباين الجنسين، واختلاف الطبعين، وتفارق الحسَّين؛ لأن الآدمي جسماني والجن روحاني، وخلق الله الآدمي من صلصال كالفخار، وخلق الجان من مارج من نار، ويمنع الامتزاج مع هذا التباين، ويستحيل التناسل مع هذا الاختلاف.قلت: قد مضى القول في هذا، والعقل لا يحيله مع ما جاء من الخبر في ذلك، وإذا نظر في أصل الخلق فأصله الماء على ما تقدّم بيانه، ولا بعد في ذلك؛ والله أعلم.وفي التنزيل {وَشَارِكْهُمْ فِي الأموال والأولاد} [الإسراء: 64] وقد تقدّم.وقال تعالى: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَآنٌّ} [الرحمن: 56] على ما يأتي في الرحمن.قوله تعالى: {قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي} أي بالشرك الذي كانت عليه؛ قاله ابن شجرة.وقال سفيان: أي بالظن الذي توهمته في سليمان؛ لأنها لما أمرت بدخول الصرح حسبته لجة، وأن سليمان يريد تغريقها فيه.فلما بان لها أنه صرح ممرد من قوارير علمت أنها ظلمت نفسها بذلك الظن.وكسرت {إن} لأنها مبتدأة بعد القول.ومن العرب من يفتحها فيعمل فيها القول.{وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ العالمين}.إذا سكنت {مع} فهي حرف جاء لمعنى بِلا اختلاف بين النحويين.وإذا فتحها ففيها قولان: أحدهما: أنه بمعنى الظرف اسم.والآخر: أنه حرف خافض مبني على الفتح؛ قاله النحاس. اهـ.
أي عن الديار، وليس من مواضع حذف حرف الجر.وإذا كان الفاعل هو ما كانت بالمصدود عنه، الظاهر أنه الإسلام.وقال الرماني: التقدير التفطن للعرش، لأن المؤمن يقظ والكافر خبيث.والظاهر أن قوله: {وصدها} معطوف على قوله: {وأوتينا}، إذا كان من كلام سليمان، وإن كان يحتمل ابتداء إخبار من الله تعالى لمحمد نبيه ولأمته.وإن كان وأوتينا من كلام بلقيس، فالظاهر أنه يتعين كونه من قول الله تعالى وقول من قال إنه متصل بقوله: {أتهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون}.والواو في صدها للحال، وقد مضمرة مرغوب عنه لطول الفصل بينهما، ولأن التقديم والتأخير لا يذهب إليه إلا عند الضرورة.وقرأ الجمهور: إنها بكسر الهمزة، وسعيد بن جبير، وابن أبي عبلة: بفتحها، فإما على تقدير حرف الجر، أي لأنها، وإما على أن يكون بدلًا من الفاعل الذي هو ما كانت تعبد.قال محمد بن كعب القرظي وغيره: لما وصلت بلقيس، أمر سليمان الجن فصنعت له صرحًا، وهو السطح في الصحن من غير سقف، وجعلته مبنيًا كالصهريج ومليء ماء، وبث فيه السمك والضفادع، وجعل لسليمان في وسطه كرسي.فلما وصلته بلقيس، {قيل لها ادخلي} إلى النبي عليه السلام، فرأت اللجة وفزعت، ولم يكن لها بد من امتثال الأمر، فكشفت عن ساقها، فرأى سليمان ساقيها سليمتين مما قالت الجن.فلما بلغت هذا الحد، قال لها سليمان: {إنه صرح ممرد من قوارير}، وعند ذلك استسلمت بلقيس وأدغنت وأسلمت وأقرت على نفسها بالظلم.وفي هذه الحكاية زيادة، وهو أنه وضع سريره في صدره وجلس عليه، وعكفت عليه الطير والجن والإنس.قال الزمخشري: وإنما فعل ذلك ليزيدها استعظامًا لأمره وتحققًا لنبوته وثباتًا على الدين. انتهى.والصرح: كل بناء عال، ومنه: {ابن لي صرحًا لعلي أبلغ الأسباب} وهو من التصريح، وهو الإعلان البالغ.وقال مجاهد: الصرح هنا: البركة.قال ابن عيسى: الصحن، وصرحة الدار: ساحتها.وقيل: الصرح هنا: القصر من الزجاج؛ وفي الكلام حذف، أي فدخلته امتثالًا للأمر.واللجة: الماء الكثير.وكشف ساقيها عادة من كان لابسًا وأراد أن يخوض الماء إلى مقصد له، ولم يكن المقصود من الصرح إلا تهويل الأمر، وحصل كشف الساق على سبيل التبع، إلا أن يصح ما روي عن الجن أن ساقها ساق دابة بحافر، فيمكن أن يكون استعلام ذلك مقصودًا.وقرأ ابن كثير: قيل في رواية الأخريط وهب بن واضح عن سأقيها بالهمز، قال أبو علي: وهي ضعيفة، وكذلك في قراءة قنبل: يكشف عن سأق، وأما همز السؤق وعلى سؤقه فلغة مشهورة في همز الواو التي قبلها ضمة.حكى أبو علي أن أبا حية النميري كان يهمز كل واو قبلها ضمة، وأنشد: والظاهر أن الفاعل قال هو سليمان، ويحتمل أن يكون الفاعل هو الذي أمرها بدخول الصرح.وظلمها نفسها، قيل: بالكفر، وقيل: بحسبانها أن سليمان أراد أن يعرفها.قال ابن عطية: ومع، ظرف بني على الفتح، وأما إذا أسكنت العين فلا خلاف أنه حرف جاء لمعنى. انتهى.والصحيح أنها ظرف، فتحت العين أو سكنت، وليس التسكين مخصوصًا بالشعر، كما زعم بعضهم، بل ذلك لغة لبعض العرب، والظرفية فيها مجاز، وإنما هو اسم يدل على معنى الصحبة. اهـ.
|